Pages

mardi 13 juin 2017

فضل الشجرة والزراعة


جاءت كلمة شجرة في القرآن الكريم مفردة في نحو تسعة عشر موضعا ومجموعة في نحو ستة مواضع ، أما كلمة زرع ومشتقاتها فوردت في نحو ثلاثة عشر موضعا .
أما في الأحاديث النبوية فورد ذلك في مواضع كثيرة .
ومن اهتمام الإسلام بالشجرة ، ولفت الأنظار للعناية بها أنه حتى في الجزاء على الأعمال الصالحة يوم القيامة قد ذكر الشجر على أنه مثوبة مكافئة لبعض الأعمال الخيرة من المؤمن وذلك لما في الشجرة 
من النفع والجمال ،
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 191)
واكتمال النعمة ، ففي الحديث . عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال سبحان الله العظيم وبحمده ، غرست له نخلة في الجنة ، وفي رواية " شجرة " .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وبلغ اهتمام الإسلام بالشجرة حدا لا يعرف له مثيل في شريعة سابقة ، ولا في قانون وضعي وحسبنا أن نعلم أن الخلفاء وهم أعلى سلطة في الدولة الإسلامية ، كانوا يوصون أمراء الأجناد والجيوش عندما يبعثونهم للقتال بالمحافظة على الشجرة وخاصة الشجرة المثمرة ، مثلما يأمرونهم بالمحافظة على أرواح الأبرياء ممن لا علم لهم بالحرب ولم يشاركوا فيها : " لا تعقرن نخلا ولا تحرقنها ولا تعقروا البهيمة ، ولا شجرة ثمر ، ولا تهدموا بيعة ، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء " ومن المعلوم أن الوصية في مثل هذا الموطن إنما تكون بالأمور الهامة التي تعتبر من مواد الدستور العام ، وبالأمور التي تحقق عوامل النصر على أعداء الله .
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 192)
فهل عرف من قبل التحييد للشجرة ، والحيوان الأعجم مما يملكه العدو ، وإبعادها عن ميدان المعركة لكونهما عنصري خير ونفع للبشر ؟ !
ولم يأذن الإسلام بقطع الأشجار المثمرة إلا في حدود ضيقة أشبه ما تكون بالضرورة التي يلجأ إليها للضغط على العدو المعاند المصر على القتال ، حتى إن بعض الفقهاء منع ذلك مطلقا ، وحمل ما ورد في ذلك على حالة خاصة لا تتعداها .
قال الحافظ ابن حجر : قوله - أي البخاري : ( باب قطع الشجر والنخل ) أي للحاجة والمصلحة إذا تعينت طريقا في نكاية العدو ونحو ذلك ، وخالف في ذلك بعض أهل العلم ، فقالوا : لا يجوز قطع الشجر المثمر أصلا ، وحملوا ما ورد من ذلك : إما على غير المثمر ، وإما على الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع منه القتال ، وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور ومن محافظة الإسلام على الشجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قضاء الحاجة والتخلي في ظل الشجرة التي ينتفع بظلها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا اللعانين ، قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم ويقاس على قضاء الحاجة رمي القمامات والأوساخ ، والمياه النجسة والمتقذرة وغير ذلك مما يحول بين الناس وبين الانتفاع من الظل .
وقد دعا الإسلام إلى تكثـير الشجر لما فيه من المنافع المتعددة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن قامت الساعة وفي يـد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسهـا فليغرسها .
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 193)
ففي هذا الحديث حث على غرس الأشجار المثمرة عامة وإن كان المذكور فيه النخل .
كـما أنه يشـير إلى ضرورة العناية بالزراعة والعمل في الأرض ، وأنه لا ينبغي أن ينقطع العمل في إعمار الأرض ، والإفادة من خيراتها .
قال الأستاذ محمد قطب تعليقا على الحديث : والعمل في الأرض لا ينبغي أن ينقطع لحظة بسبب اليأس من النتيجة فحتى حـين تكون القيامة بعد لحظة ، حين تنقطع الحياة الدنيا كلها . . حتى عندئذ لا يكف الناس عن العمل ، وعن التطلع إلى المستقبل ، ومن كان في يده فسيلة فليغرسها . وروى البخاري في كتاب الأدب المفرد عن داود بن أبي داود الأنصاري قال : قال لي عبد الله بن سلام : إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية - أي فسيلة - تغرسها فلا تعجل أن تصلحه ، فإن للناس بعد ذلك عيشا .
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي : أعزم عليك أن تغرس أرضك فقال أبي : أنا شيخ كبير أموت غدا . فقال عمر : أعزم عليك لتغرسنها ، فلقد رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغرسها بيده مع أبي .
ولعل مما يشير إلى استحباب تكثير الشجر ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له أن يشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة .
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 194)
وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة المحافظة على الأشجار والبساتين من قبل أهلها ، ومن قبل أصحاب الماشية ليلا ونهارا .
عن حرام بن سعد بن محيصة الأنصاري ، عن أبيه عن البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقضى بأن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها ، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها قال الخطابي رحمه الله : " يشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا لأن في العرف أن أصحاب الحوائط ، والبساتين يحفظونها بالنهار ، ويوكلون بها الحفاظ والنواطير ، ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل ، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع " .
ومن فضل الزراعة والعمل في الأرض الاشتغال عن الناس ، والتنزه عن عيوبهم والبعد عن قيلهم وقالهم ، خاصة إذا كان الإنسان ممن لا يملك القدرة على الإصلاح والإنكار ، قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره : ( إن الاشتغال بالعمل فيها - أي الأرض - والاستغناء عن الناس بما يحصل فيها من القرب العظيمة ، مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي - لا سيما في مثل هذا الزمان - سم قاتل ، وشغل عن الله شاغل ، وذلك إذا لم يكن في الإقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد .
ومن فضل الزراعة أن الأجر يحصل للغارس والزارع ، وإن لم يقصدا ذلك حتى لو غرس وباعه ، أو زرع وباع ذلك الزرع كان له بذلك صدقة لتوسعته على الناس في أقواتهم كما روي في حصول الأجر للجالب ، وإن كان
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 195)
يفعله للتجارة والربح .
وقد ذكر غـير واحد من العلماء أن الأجر يحصل للمزارع بما يولد من الغراس والزرع ، كذلك وإن أجره مستمر ما دام الغرس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة ، وحتى لو انتقل ملكه إلى غيره .
ووردت أحاديث كثيرة تبين فضل الغرس والزرع ، وتثبت الأجر لفاعله ما انتفع بذلك منتفع من إنسان أو حيوان أو طير ، أو حشرة ، ومن ذلك .
حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة .
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من رجل يغرس غرسا إلا كتب الله له من الأجر قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغرس .
وعن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتـين يقول : من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل .
والأجر في الغرس والزرع لا ينحصر في زراعة المثمر وحسب ، بل يحصل
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 196)
بزراعة المثمر وغير المثمر ، وذلك لحصول الانتفاع للحيوان ، والطير ، والدواب ، بل لحصول النفع للإنسان من جهة أخرى غير الأكل ، فيقاس على الأكل ما ينتفع من الأشجار والمزروعات من تنزه ، وتجميل للبيئة ، أو تمتع برؤيتها ، واستظلال بظلها ، أو ما تحققه من منافع أخرى كثـيرة كتطييب المناخ ، وحفظ للتربة ، وصد للغبار والأتربة وتنقية للهواء من التلوث ، وكذلك ما يستفاد منها في أغراض الصناعة كصناعة الورق ، والثقاب ، وصناعة الأخشاب المختلفة المتعددة الأغراض .
والزرع في هذه الأحاديث المتقدمة المراد به ما يستنبته الإنسان من مزروعات مختلفة مما يتغذى منه أو مما يتغذى عليه الحيوان والطير كالقمح والأرز ، والذرة ، والبقول ، والخضروات ، وكالشعير والـبرسيم والحشائش المتنوعة ويحصل الأجر للمزارع ولو كان الأكل منه على وجه الغصب أو الانتهاب أو السرقة أو الاعتداء ، فضلا عن الإطعام .
ويدل لذلك ما رواه جـابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنـه دخل على أم مبشر الأنصارية - وهي زوج زيد بن حارثة - في نخل لها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر ؟ فقالت : بل مسلم فقال : لا يغرس مسلم غرسا ، ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ، ولاشيء إلا كانت له صدقة ، وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع فهو له صدقة ، وما أكلت الطير فهو له صدقة ، ولا يرزؤه أحـد إلا كان له صدقة .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يغرس مسلم غرسا ، ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 197)
ولا طائر ، ولا شيء إلا كان له أجر .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من غرس غرسا لم يأكل منه آدمي ، ولا خلق من خلق الله إلا كان له صدقة .
وعن خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من زرع زرعا فأكل منه طير أو عافية كان له صدقة .
وعن عبد الله بن الزبير قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس يأمر بنيه أن يحرثوا القضب فإنه ينفي الفقر .
وعن السائب بن سويد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أبي الدرداء المتقدم .
وجاء في بعض الروايات ما يفيد أن غرس الأشجار من الصدقات الجارية التي يصل أجرها للمسلم بعد موته .
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قال : سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره وبعد موته : من علم علما أو كرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أو غرس نخلا ، أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا ، أو ترك ولدا يستغفر له .
وعن معاذ بن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بنى بنيانا في غير
(الجزء رقم : 33، الصفحة رقم: 198)
ظلم ولا اعتداء ، أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجرا جاريا ما انتفع به من خلق الرحمن تبارك وتعالى .